17 - 07 - 2024

مؤشرات| ملف مياه النيل والمشاركة الشعبية

مؤشرات| ملف مياه النيل والمشاركة الشعبية

مع الوقت اتضحت نوايا إثيوبيا من سد النهضة، وتبين أن توليد الطاقة هي الأساس من بناء السد الإثيوبي، مجرد كلام، أو "فنكوش"، وأن احتكار المياه هو الهدف الرئيسي من السد، وهو ما قاله مسؤولون ومحللون من قبل بالقول بأنه كفى مصر والسودان احتكارًا لمياه النيل،  في فهم خاطيء لأن القاهرة والخرطوم دولتي مصب، وليستا من دول المنبع.

وقبل أيام أعلنت أديس أبابا صراحة عن هدفها الحقيقي من بناء السد وهو تحقيق أكبر استفادة من مياه نهر النيل، بل وصل الأمر إلى رفضها أي التزامات بشأن حصص المياه لكل من مصر والسودان، وهو ما دفع الأخيرتين إلى تعليق المفاوضات كليا.

ففي 5 أغسطس أعلنت مصر والسودان تعليق الاجتماعات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، لإجراء مشاورات "داخلية بشأن الطرح الإثيوبي"، بعد خطاب قدمه وزير مياهها يضم مسودة "خطوط إرشادية وقواعد" لملء سد النهضة، خاصة بعدما أوشكت أديس أبابا على الانتهاء منه وإعلان اكتمال المرحلة الأولى لعملية الملء، والفشل في التوصل إلى اتفاق نهائي لحل القضايا الشائكة بسبب التعنت الإثيوبي.

والتفتت السودان لخطورة الوضع، وهو ما دفع مجلس الأمن والدفاع الوطني السوداني، قبل أيام، للتأكيد على موقف الخرطوم الرافض لربط اتفاق سد النهضة الإثيوبي بمحاصصات تقاسم مياه النيل، وهو "أمر غير مقبول"، مشددا على أن التفاوض تحت مظلة الاتحاد الافريقي هو الخيار وبما يسمح بالتوصل لحلول تلبي مطالب "مصر وإثيوبيا والسودان".

وفي الوقت الذي تصر فيه إثيوبيا على موقفها متجاهلة حقوق مصر والسودان المائية، والمخاطر الناجمة على عشرات الملايين من المصريين، فقد  أكد مجلس الأمن والدفاع الوطني السوداني أن أي ربط لهذا الاتفاق بمحاصصات تقاسم المياه أمر غير مقبول، خصوصا أن تداعيات تشغيل سد النهضة البيئية والاجتماعية تؤثر على أكثر من 20 مليون مواطن سوداني يعيشون على ضفاف النيل الأزرق ونهر النيل.

ودخلت السودان مرحلة جديدة لمواجهة الخطر من سد النهضة، حيث دعا مجلسها للأمن والدفاع كافة قطاعات الشعب السوداني إلى التعامل مع هذه القضية باعتبارها ذات أهمية قصوى وترتبط بشكل مباشر بالمصالح الوطنية للشعب السوداني، وطلب من كافة الأجهزة الرسمية تقديم الدعم والمساندة الضروريين للفريق المفاوض، بما يحمي المصالح الوطنية للدولة السودانية.

وهناك اتفاق عام على أن إقحام إثيوبيا لمسألة تقسيم مياه النيل في مفاوضات سد النهضة انحراف عن اتفاق المبادئ الأساسية الموقع في 2015، و أن اتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة مطلع القرن الماضي لا تعني إثيوبيا في شيء، إنما تخص دولتي المصب "مصر والسودان"، وهو ما يثير قلقا جديدا لنا هنا في مصر وفي السودان، خصوصا مع هذا الرفض الإثيوبي المستمرللوصول لإتفاق يحترم القانون الدولي.

ومع اتساع هوة الخلاف فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لرئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، ورئيس الاتحاد الأفريقي في الدورة الحالية، رفض مصر كل الإجراءات المنفردة أحادية الجانب في ملف سد النهضة والتي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق القاهرة في مياه النيل، مؤكدا على ثوابت الموقف المصري من منطلق ما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لشعب مصر، ومن ثم حتمية بلورة اتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد.

ودخل رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، على خط المواجهة لمخاطر سد النهضة، موضحًا أن السودان يعمل بشكل جاد مع  شركائه للوصول إلى اتفاق يضمن عدم تضرر مصالح أيًا من إثيوبيا أو مصر أو السودان من أجل الوصول إلى اتفاقية محكمة تتضمن كافة الجوانب بما في ذلك ملء وتشغيل السد.

وقد أقر السودان سلسلة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية لتعزيز الموقف التفاوضي بما يحفظ المصالح الوطنية، في قضية سد النهضىة، خصوصا الدعم الشعبي منها مع تمسك السودان بالتوصل لاتفاق شامل وملزم حول الملء الأول للسد وتشغيله والمشاريع المستقبلية باعتبار أنه لا خيار سوى مسارات التفاوض بين الدول الثلاث لحلحلة القضايا القانونية والفنية العالقة.

أعتقد أن دعوة السودان قطاعات الشعب السوداني لدعم الفريق التفاوضي في ملف سد النهضة، لفتة مهمة، لمشاركة شعبية أوسع، من المهم أن تتم على مستوى مصر أيضا خصوصا أنها قضية تمس واحدة من أهم قضايا الأمن الوطني، فلا يعلو شئ الآن فوق الحفاظ على مياه النيل.
---------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا